تجربة فنلندا في التعليم... فوائد ونصائح


بصفتي مدرس رياضيات أكثر ما يلفت نظري؛ هي تجربة فنلندا في التعليم.


لماذا فنلندا تحديداً بالنسبة لي؟

لأن نظام التعليم الفنلندي يعتبر واحدا من أفضل أنظمة التعليم في العالم الذى  يتفوق بشكل واضح في الرياضيات.


ما هي قصة دولة فنلندا باختصار؟

هي دولة إسكندنافية صغيرة ركزت اهتماماتها بشكل أساسي على تطوير نظامها التعليمي، حتى أضحت أقوى دولة في التعليم عالميا لعام 2015 وفقا لتقرير التنافسية العالمية.

قالت (جانا بالويارفى) - مدير عام وزارة التربية والتعليم الفنلندية-: التعليم بمثابة حجر الأساس فى الجانب الاقتصادى، وأن بلادها كانت تتعافى فى الستينيات من القرن الماضى من آثار الحرب العالمية الثانية، وكان اقتصادها قائماً على الزراعة، لكنها استطاعت بالتركيز على التعليم الخروج من دائرة البلدان الفقيرة.


كيف قامت فنلندا بهذا الإصلاح التعليمي؟


1- المعلم فى مرحلة التعليم الأساسى هو بيت القصيد، ولا بد وأن يكون حاصلا على درجة الماجستير،ويشارك ثمانون في المائة من المعلمين الأساسيين في التطوير المهني المستمر.


يتم اختيار المدرسين بعناية شديدة، فلا بد أن يكونوا ذوي كفاءة عالية وحماس شديد وشغف ملحوظ بالمهنة وبالرغبة في مساعدة الآخر، ويتم قبول 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة المعلم، وهذا يضمن أن المتقدمين الموهوبين والأكثر حماسة هم من يستحقون شغل تلك الوظيفة.





2- احترام التعليم جزء من الهوية:

“هذا يحتاج 150 سنة من ترسيخ احترام التعليم ومهنة التدريس”


هكذا أجاب وزير التعليم السابق في (فنلندا بار ستانباك)، عندما طلب منه أحد المٌذيعين إجابة في جملة واحدة، تُلخص سر التميز الفنلندي في مجال التعليم تنصح بها السلطات في بورتوريكو، فالفخر والاحترام للتعليم والتعلم في فنلندا يعدان من الجوانب الأساسية للثقافة الفنلندية، فقد بنت فنلندا هويتها القومية منذ القرن ال19 من خلال الاستثمار في التعليم للجميع، وعندما حققت استقلالها كان الهدف الأساسي هو تطوير التعليم بشكل أكبر.



3- أحد أهم مميزات التعليم في فنلندا أنه يُركز بشكل أساسي على العمق في المضمون المدروس، بدلا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية.


 والمعلمون يعملون في الفصول لمدة 4 ساعات يوميا و20 ساعة أسبوعيا، نصف هذه الساعات يقوم فيها المدرس بإعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب، ومع تقلص ساعات الدراسة تزداد فترات الراحة نسبيا لتصل 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسي.

يقضى المعلمون في فنلندا عدد ساعات قليلا في المدرسة، ويعتمد الأطفال على اللعب فى المدرسة حتى فى الشتاء، إيمانا بأن اللعب واستخدام المخيلة والاستكشاف الذاتي، هو أساس التعليم فى هذه السن الصغيرة، كما يحصل الأطفال على قدر قليل من الواجبات المدرسية، ولا يجب أن تتجاوز مدة أدائها نصف ساعة يوميا.



4- “لا تترك الطفل بالخلف


كان هذا الشعار معتمدا في المدارس الفنلندية قبل فترة طويلة، ويعتمد ذلك الشعار الذي تحول إلى واقع في فنلندا على تصعيد المستوى التعليمي للأطفال المتأخرين دراسيا-وعدم عزل الطلاب وفقا لمستواهم التعليمي- حتى يصلوا إلى المستوى التعليمي المتوسط والسائد بين زملائهم، من خلال مساعدة المعلمين لهم وإعطائهم اهتماما أكبر بكل صبر كي يتلقى هؤلاء الأطفال الدعم اللازم لتخطي الصعوبات واللحاق بزملائهم، وهناك %30 من الطلاب الفنلنديين يتلقون مساعدة إضافية خلال أول 9سنوات في التعليم الأساسي، وكل هذه العوامل جعلت فنلندا تمتلك أصغر فجوة بين الطلاب الأقوى والأضعف في مستوياتهم التعليمية على مستوى العالم وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية.



5- شدة الارتباط بين المعلم والطالب:

أحد مميزات نظام التعليم في فنلندا هو أن المدرسين يمكثون مع الطلاب فترة طويلة، لا تقتصر على العام الواحد وإنما تصل إلى 5 سنوات دراسية، وهذا يؤدي إلى توطيد العلاقة بين المعلمين والطلاب –الذين يبلغ عددهم 20 طالبا فقط في الفصل الواحد- وكسر جبل الجليد والتقرب منهم على المستوى الشخصي، ويدرك المعلم بشكل أكبر المستويات المختلفة لطلابه للتعامل مع كل طالب بالأسلوب الذي يناسبه.


يوجَّه المدرس إلى وضع خطة فردية تتناسب مع الاختلافات الطبيعية بين طالب وآخر. وتتسم هذه الخطط الفردية بالمرونة العالية بحيث يتمكن المدرس من متابعة أداء كل تلميذ على حدة، وبحسب نقاط قوته وضعفه يحدد الأستاذ مدى تطور مستواه التعليمي: لا يقارَن تلميذ بآخر، كل تلميذ له مسار تقييمي خاص يدركه أستاذه جيدًا.



6- المساواة بين الطلاب:

“المساواة هي الكلمة الأكثر أهمية في التعليم الفنلندي. تتفق جميع الأحزاب السياسية من اليمين واليسار على ذلك”

هكذا يؤكد (أولي لوكنين) رئيس الاتحاد الفنلندي للمعلمين، وهذا التصريح لا يأتي من فراغ، وإنما مبني على أسس من تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة مترسخة في نظام التعليم في فنلندا تجعل ممن الطلاب الفنلنديين سواء كانوا في مناطق ريفية أو حضارية، فقيرة كانت أو غنية على جودة تعليم متساوية، ذلك النظام الذي يمنع المدارس في فنلندا من أن تتحول إلى بزنس وأعمال تجارية، كما أنها تبتعد أيضا عن الأدلجة السياسية أو الطبقية، لأن كل المدارس في فنلندا تُمول شعبيا، ويتم توزيع المال بالتساوي على المدارس إلى حد كبير، كما أنه لا يوجد تصنيفات وترتيبات ومنافسة بين المدارس، فجميعها تعمل وفقا لأهداف قومية واحدة.



7- "منطقة خالية من الاختبارات"



هكذا يطلق على المدارس في فنلندا؛ السلطات في فنلندا غير مقتنعة بمردود سياسة الاختبارات، والتوصيف الوظيفي للمدرس الفنلندي محدد بمساعدة كل طالب لفهم المادة داخل الصف، دون ملاحقته بالامتحانات الطويلة والقصيرة والمفاجئة، أو مواسم الرعب النهائية.

إذا اطمأن الطالب في يومياته الدراسية، استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور. أما التشديد والتهديد بالاختبارات، فإن له عواقب انسحابية خطيرة، ابتداءً بمشاعر التوتر والقلق، مرورًا بالضغوطات النفسية الحادة، وصولًا في حالات مؤسفة إلى المفاصلة بين التعليم أو الحياة.


دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة، والتعليم أسمى من تلك الوصوم التي تُوزَّع على الصغار في بداية حياتهم، التعليم ليس للتقييم.


يُمنَع إعطاء الطلاب شهادات تحدد مستواهم بالدرجات والتقديرات في مراحل التعليم الأولى تجنبًا للتصنيفات والمقارنات المبكرة بين الأقران، (ممتاز، جيد، مقبول، راسب...) هذا ممنوع. وبعض وسائل الإعلام الفنلندية تجتهد في وضع ترتيب لمستويات المدارس بين يدي الجمهور، لكن الغريب أن هذه الأخبار لا تحظى باهتمام الشعب الفنلندي.



8- النظام العام:


 يبدأ الطلاب الفنلنديون الدراسة في سن السابعة. وفي السنوات السبعة الأولى من حياتهم، يحصل الأطفال على رعاية صحية متميزة وأنشطة ترفيهية تحت إشراف متخصصين من خلال المستشفيات الحكومية ومراكز رعاية الأطفال.

أعادت فنلندا تنظيم النظام المدرسي في مراحله الاثني عشر؛ بحيث تقدم كافة المدارس نفس النظام التعليمي لكل الطلاب. فلا مجال لإختيار نوع التعليم، مثل التعليم الخاص أو بدائله. فكل المدارس تخضع للنظام العام وتتساوى في جودتها.











راجع: باسي سهلبرج، الباحث وخبير التعليم الفنلندي في كتابه “الدروس الفنلندية: ما الذي يمكن أن يتعلمه العالم من التغيير الذي حققته فنلندا في مجال التعليم؟ "






نصائح من خلال التجربة الفنلندية:


1- لا حاجة لتعليم الطالب كل شيء مبكرًا. مهمتك أن تحافظ على فضوله الطبيعي نحو التعلم حتى يكبر ويختار تخصصه المناسب

استمع لرأيه بكل موضوع يدرسه. شجعه على اكتشاف مكمن المشكلة واقتراح الحل ذاتيًّا

انبش عن موهبته الخاصة التي يتفوق بها على الجميع.


2- خفف العبء المطلوب من المدرس.

ضغط المادة يقلل من قدرته على الإبداع في التدريس، ويضعف من قدرته على التواصل مع كل طالب

المدرس يجب أن يكون أقل من يتكلم. الصف الدراسي المثالي هو الذي يعبر ويناقش ويتحاور فيه الطلبة أكثر من الأستاذ (وهذه فلسفة جون ديوي)

امنحه ثقتك، وأعطه صلاحيات أوسع لحل المشكلات اليومية دون ضرورة الرجوع للإدارة



3- ينبغي أن تكون المناهج عملية ذات صياغة تركز على نحت المهارات الاجتماعية والإدارية، مع شق نظري يراعي الاختلافات الفردية بين الطلاب

كل منهج دراسي يجب أن يتضمن، عند تصميمه، الأساليب المرحة والمحببة التي تتفنن في توصيل المعلومة بشكل ممتع

خصِّص مواسم دورية للمسابقات والمنافسات الفردية والجماعية داخل المدرسة، فقد أثبتت فعاليتها في تغطية المنهج بشكل يفوق أسلوب التلقين.



تعليقات

المشاركات الشائعة